تمثل التحولات السريعة التي تشهدها خريطة التنظيمات الإرهابية خلال الأعوام الأخيرة، خاصة فيما يتعلق بعودة تنظيم "القاعدة" من جديد إلى الساحة بشكل بارز، تحديًا لا يمكن تجاهله بات يكتسب اهتمامًا خاصًا من جانب المجتمع الدولي، لا سيما أن ذلك يشير إلى أن التهديدات العديدة التي تفرضها التنظيمات الإرهابية لن تتراجع بعد الهزائم التي تعرض لها تنظيم "داعش" في كل من العراق وسوريا، في ظل الإمكانيات التي تمتلكها ومكنتها من الاستمرار خلال المرحلة الماضية.
وفي هذا السياق، كشف التقرير الذي أعده مراقبون وتم رفعه إلى مجلس الأمن الدولي، في 7 فبراير 2018، عن أن تهديدات المجموعات "القاعدية" حول العالم، خاصة في اليمن والصومال وغرب إفريقيا وجنوب آسيا، وصلت إلى مرحلة غير مسبوقة، في ظل قدرتها على شن هجمات إرهابية في مناطق مختلفة، بشكل تجاوز التهديدات التي يوجهها عناصر تنظيم "داعش" الذي ما زال يحاول استيعاب التداعيات القوية التي فرضتها العمليات العسكرية التي شنت ضده في العراق وسوريا.
اعتبارات مختلفة:
ربما يمكن تفسير تزايد التحذيرات الدولية من تصاعد نشاط تنظيم "القاعدة" خلال المرحلة القادمة في ضوء اعتبارات عديدة، يتمثل أبرزها في:
1- تزايد نشاط الفروع: أشار التقرير الأممي الأخير إلى أن الفروع الرئيسية لتنظيم "القاعدة" باتت تمثل مصدر قوته الأساسي، خاصة في ظل تعددها وانتشارها وقدرتها على الاحتفاظ بقاعدة بشرية ليست قليلة، رغم كل الضغوط التي تعرضت لها في المرحلة الماضية، خاصة خلال الفترة التي اتسع فيها نطاق نفوذ تنظيم "داعش" بشكل ساعد الأخير على استقطاب بعض قادة وكوادر التنظيم الأول.
ويعتبر تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" أحد أهم الفروع "القاعدية" التي تحولت إلى مجموعة عابرة للحدود، بعد أن تمكنت من دعم نفوذها في مناطق جديدة وشن هجمات إرهابية نوعية، على غرار الهجوم الذي استهدف القوات الأممية في مالي في نوفمبر 2017، وأسفر عن مقتل 5 جنود وإصابة 3 آخرين.
كما سعت حركة "شباب المجاهدين" الصومالية، التي تعتبر الفرع الرئيسي لـ"القاعدة" في شرق إفريقيا، إلى فرض سيطرتها على مساحات واسعة من الأراضي الصومالية، وتمثلت آخر محاولاتها في السيطرة على مدينة حدودية مع كينيا، في 11 سبتمبر 2017، بعد شن هجوم انتحاري بسيارة مفخخة داخل قاعدة عسكرية. ويبدو أنها تعمدت اختيار هذا التوقيت تحديدًا للإشارة إلى أحداث 11 سبتمبر 2001، خاصة بعد أن تحولت إلى هدف لضربات جوية عديدة شنتها الولايات المتحدة الأمريكية، كان أبرزها في 21 نوفمبر 2017 وأسفرت عن مقتل أكثر من 100 من عناصر الحركة.
2- تعزيز آلية التحالفات: ربما يمكن القول إن أحد أهم أسباب بقاء تنظيم "القاعدة" داخل خريطة التنظيمات الإرهابية في العقد الأخير يكمن في قدرته على تأسيس تحالفات تنظيمية وقبلية، ساعدته على تعزيز نفوذه في مناطق جديدة، على غرار التحالف الذي أسسه تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، والذي أدى إلى تكوين ما يسمى بـ"جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"، في مارس 2017، حيث تحولت إلى أحد أكبر التحالفات "القاعدية" في منطقة غرب إفريقيا، بعد أن ضمت كلاً من جماعة "أنصار الدين" وحركة "تحرير ماسينا" إلى جانب الفرع "القاعدي".
كما أبدت بعض فروع التنظيم مرونة نسبية مكنتها من تكوين تحالفات أوسع، على غرار جبهة "النصرة" التي قامت بتغيير اسمها إلى جبهة "فتح الشام" وأعلنت فك ارتباطها بـ"القاعدة" في يوليو 2016 بشكل رسمي فقط، وشاركت في تحالف أوسع باسم هيئة "تحرير الشام" أعلن عن تشكيله في يناير 2017، وضم كلاً من حركة "نور الدين زنكي" وجبهة "أنصار الدين" و"جيش السنة" و"لواء الحق".
واللافت في هذا السياق، هو أن تنظيم "القاعدة" الرئيسي اتجه، في يناير 2018، نحو استقطاب عناصر إرهابية تابعة له داخل سوريا بهدف تكوين فرع جديد موازٍ لجبهة "فتح الشام"، خاصة تلك التي رفضت خطوة فك الارتباط التي قامت بها جبهة "النصرة"، حتى لو كانت من أجل تقليص احتمالات تعرضها لضربات عسكرية من جانب القوى الدولية المعنية بالحرب ضد الإرهاب في سوريا والعراق.
وقد اعتبرت اتجاهات عديدة ذلك مؤشرًا لظهور خلافات بين التنظيم الرئيسي وجبهة "النصرة" على خلفية التطورات التي شهدها الصراع في سوريا خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، وكانت الأخيرة طرفًا فيها.
3- محاولات التوسع: رغم الضربات العديدة التي تعرض لها التنظيم خلال الفترة الأخيرة، خاصة في منطقة شمال إفريقيا، على غرار نجاح القوات الخاصة التونسية في قتل البشير بن الناجي الزعيم الجديد لكتيبة "عقبة بن نافع"، وهى أحد فروع تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، في 20 يناير 2018، في العملية نفسها التي قتل فيها بلال القبي مساعد زعيم التنظيم الأخير أبو مصعب عبد الودود، إلا أن ذلك لم يمنع التنظيم، على ما يبدو، من مواصلة محاولاته للتمدد والوصول إلى مناطق جديدة، حيث يحاول استغلال تراجع نشاط تنظيم "داعش" للعودة إلى صدارة خريطة التنظيمات الإرهابية في تلك المنطقة.
4- التنظيمات الخفية: وتمثلها المجموعات التابعة لـ"القاعدة"، على غرار كتيبة "عقبة بن نافع" وكتيبة "الفتح المبين" في تونس، وهى المجموعات التي يحاول التنظيم الرئيسي عبرها تجنيد عناصر جديدة وتكوين بيئة حاضنة من خلال تبني شعارات متطرفة، وقد حذرت اتجاهات عديدة من أن تلك التنظيمات قد تسعى خلال المرحلة القادمة إلى تنفيذ عمليات إرهابية من أجل توجيه رسائل تفيد قدرتها على توسيع نشاطها ودعم مساعي التنظيم الرئيسي إلى تعزيز نفوذه من جديد.
تحذيرات متعددة ومؤشرات متزايدة تكشف في مجملها عن أن تنظيم "القاعدة" يسعى خلال المرحلة الحالية إلى استغلال التداعيات المتعددة التي فرضتها الحرب ضد الإرهاب من أجل استعادة نفوذه من جديد، بشكل ربما يدشن مرحلة جديدة من تلك الحرب، التي يبدو أنها لن تتوقف عند حدود هزيمة تنظيم "داعش" في العراق وسوريا.